المدوّنة

الأسواق المتخصصة

رامي عبود نوفمبر 3, 2015

خرج بسرعة متوجهاً مع زبونه إلى ورشة خياطة جاره، وقال له:” أبو محمد، هذا الشب من طرفي وعندو ست الاف قطعة ولّادي تفصيل”، فتشكره أبو محمد وخرجنا. وقتها كان لدي ستة أعوام، فسألته: “خال، ليش ما اخدتون انت اش خسران معملك كبير” فأجاب: “لا، انا هلاعندي شغل و موسمي شغال، بكرة اذا بوقف الموسم أبو محمد هو بيبعتلي زبائن”. وقتها اعتبرت خالي ذكي جداً، إلا أنني أدركت لاحقاًزبأن هذه الروح في التعامل بين التجار والصناعيين في حلب كان امراً شائعاً، لا بل أساس في التعامل التجاري. هذا الواقع تعرفت عليه تدريجياً من خلال إطلاعي على الأسواق المتخصصة في حلب.

الأسواق المتخصصة، هي أسواق تختص بنوع معين من المنتجات، كسوق القماش، وسوق الحرير، وسوق الذهب. ترتبط عادة نشأة هذا النوع من الأسواق إما بوجود سوق تاريخي في المدن الكبيرة ، أو كنتيجة لسياسة تشجيع الجهات الحاكمة لنوع معين من المنتجات ذات الطلب الوافر في السوق. ولكن هذه الظاهرة في حلب، تشكل ظاهرةعضوية، و مستمرة في نشأتها بصورة استثنائية، حيث لم يوقفها الا الحرب الدامية. فجرت العادة، أنه ما إن يفتتح احدهم متجراً أو مصنعاً، لا يمر وقت طويل حتى تجد مثيل له بالقرب منه في حال نجاحه، و من هنا تدور عجلة افتتاح المتاجر المماثلة حتى تجتاح المنطقة بصورة سريعة مخلفة سوق كامل لمهنة معينة. ولكن مثل هذه الظاهرة قد يخلف في نفس المراقب تساؤل حول صعوبة المنافسة وتأثيرالتعداد الكبير للمتاجر سلباً باالمضاربة على بعضهم بعضاً.

جواب مثل هذا التساؤل يجيب عليه ثقافة التجارة الحلبية. فالتاجر أو الصناعي ذو الخبرة أو كما يسمى “ابن السوق،” يرحب بوجود محلات أخرى تبيع أو تنتج بضاعة مماثلة. فكثيراً ما تسمعه يقول:” القدم تجلب قدم، و كثرة المحلات تجلب كماً أكبر من الزبائن”. ففي كثير من الأحيان تجد التجار يتبادلون و يرسلون لبعضهم الزبائن، و كثيراً ما تجد التاجر خارجاً من متجر جاره حاملاً عينّة او بضاعة ليبيعها لزبون في متجره. المنطق في ذلك هو بناء السوق بناء على العلاقة التجارية التكاملية. الأمثلة الحديثة عن مثل هذه الأسواق المختصة كثيرة، فخذ مثلاً سوق التلل للملابس النسائية وشارع الكوكتيلات في باب الفرج، وعوجة الجب، وسوق الألبسة في الأشرفية وكذلك في شارع الكتاب المقدس في العزيزية. كل هذه الأسواق المختصة نشأت في العقود االسبع الماضية. وبالفعل هذه الظاهرة أثبتت فاعليتها في حركة السوق بصورة أفادت الجميع بالرغم من غياب التنظيم الحكومي لنشوء مثل هذه الأسواق. للمفارقات، فيما عدا منطقة الشيخ نجار أو بالليرمون، فإن التنظيم القانوني الحكومي لعمل هذه الأسواق إن وجد، فهو يولد كنتيجة لحركة السوق و ليس ناظماً لنشأته. للأسف في ظل التغير الديموغرافي نتيجة للحرب، يخشى على مثل هذه الثقافة التجارية أن تنقرض، مع غياب الصناعيين و التجار الحلبيين.

Rami Aboudرامي عبود، باحث سوري من مدينة حلب، مختص في الدراسات الشرق الأوسطية، و النزاعات المسلحة بالتركيزعلى سورية و فلسطين. حاصل على درجة الماجستير في السياسة و العلاقات الدولية في الشرق الأوسط من جامعة إكزيتر في بريطانيا. عمل كباحث مساعد في قسم الدراسات الشرق أوسطية مع الدكتور مايكل دامبر في جامعة اكزيتر، و هو يشارك حالياً في دراسة يرعاها المركز الأوروبي للدراسات الفلسطينية ، حول مفهوم الدولة الاستيطانية في فلسطين، و تغير مفهوم العنف في مرحلة ما بعد النزاع  و نشوء إسرائيل في عام 1948. مبحثه الرئيسي هو النزاع المسلح في حلب، بحيث يحاول رسم الرواية التاريخية لهذا النزاع بصورة تسهم في تقديم دليل للبناء الاجتماعي لمرحلة ما بعد الحرب. للتواصل اضغط على الرابط التالي LinkedIn

رامي عبودالأسواق المتخصصة